مذكرات اليوم الأول من مخيم النور الشتوي

كان الهدف الأول من هذا المخيم هو استثمار كادر المدرسة ومرافقها لتفعيل طاقات الطلاب وإبداعاتهم خلال العطل الشتوية والصيفية .. فبدل أن يبقى لدينا مساحات شاسعة غير مستخدمة من الأرض المخصصة للشباب لفترات زمنية طويلة وبدل أن تبقى إبداعات معلمينا مقيدة بالمناهج الدراسية.. وبدل أن تهدر طاقات ابنائنا بما لا يسمن ولا يغني من جوع أثناء العطل المختلفة .. كانت فرصة ذهبية لعقد مخيمنا الأول والذي كان تحت عنوان (مخيم النور الشتوي).

بدأنا فعالياتنا بعد حضور كوكبة من الطلاب المتميزين والذين جاءوا بمحض إرادتهم وهذه فضيلة كافية.. أن ترى ابنك يستيقظ من الثامنة صباحاً لينهل من كنوز العلم والمعرفة وبمحض إرادته !

بداية المشوار كانت مع بعض فعاليات الاتصال والتواصل ودمج الطلاب مع بعضهم البعض خاصة بكونهم من صفوف مختلفة .. وبعد أن أنهينا هذه المحطة عرضنا على الطلاب صورة لكوكب الأرض وهو يسبح بالفضاء الرحب طارحين عليهم السؤال الأول : لماذا أنا موجود هنا .. على هذا الكوكب ؟ لنتلقى إجابات إبداعية كلها تقود إلى وجود حكمة عظيمة من وجود هذا الإنسان (خليفة الله على أرضه).. عرضنا بعض أفكار الفلاسفة والمفكرين والشعراء الذين لطالما فكروا بهذا السؤال لنصل بعد ذلك إلى ما أخبرنا به القرآن الكريم والذي أجاب على هذا السؤال الذي لطالما أرق الإنسان بمختلف العصور (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .. ثم تبحرنا بكلمة (يعبدون) والتي لا تقتصر على الشعائر من صلاة وصيام بل تخبئ بجوهرها كل عمل صالح يقوم به الإنسان من عمارة الأرض والسعي بالخير بها.

كانت المحطة الثانية عبارة عن عرض لفيلم قصير لأحمد الشقيري عن حادثة هيروشيما -سقوط القنبلة النووية على اليابان- والتي دمرت 60% من مباني هيروشيما وتسببت بمقتل الآلاف.. يعرض الفيلم كيف استطاع اليابانيون أن يعيدوا نهضة بلادهم بعد 7 سنوات فقط .. وأن يصبحوا ثاني اقتصاد على العالم وأن يقفوا على أرجلهم من جديد بالإرادة والعلم والعمل .. ثم عدنا إلى فلسطين وتحدثنا عن كل ما يعاني منه الشعب الفلسطيني من معوقات في العيش ثم طرحنا السؤال الثاني : كيف نستطيع نحن بإمكاناتنا البسيطة أن نخدم وطننا وأهلنا ؟

من هنا انطلقنا .. ليستنتج الطلاب بأن تسمية (مخيم النور) جاءت من ذاك البريق النوراني الذي يستطيع أن يضيء دروب الظلام بشمعة نستمدها من أرواحنا وعقولنا وأحلامنا ..

واتفقنا بأن بداية التغيير تبدأ (بإيماننا بأنفسنا) فلا وجود لفكرة المحرر المخلص المتمثل بشخصية "صلاح الدين الأيوبي" فصلاح الدين جيل وكلنا صلاح .. يعقب الإيمان (الحلم) .. فكل تغيير حدث بالدنيا كانت بدايته إيمان وحلم .. وقد حلم محمد الفاتح بعمره الصغير أن يفتح حصون القسطنطينية يوماً .. كنموذج تاريخي.ولم نقف هنا بل قمنا بعرض نماذج لشباب وشابات قاموا بعمل مشاريع رائعة لتشجيع العلم والمعرفة والقراءة في فلسطين متحديين بذلك كل الصعاب والمعوقات.. ومن الأمثلة على ذلك سلسلة تنوين ونادي زدني الثقافي.

أغمض الطلاب أعينهم وبدؤوا بتخيل فلسطين بعد 10 سنوات وهي مُحررة وبدؤوا بسرد أحلامهم .. ثم بدأنا بعد ذلك بتمارين نفسية ليكتشفوا منها ذواتهم وأحلامهم هم.. وطلبنا منهم كواجب عملي القيام بكتابة سناريوا فيلم يشمل أحلامهم التي يتمنون القيام بها بالمستقبل.

وكتدريب عملي على إمكانية الفعل حددنا مع الطلاب القيام بعمل مشاريع كثيرة للمساهمة بنهضة بلادنا أهمها أن نبدأ من مدرستنا.. فقررنا أن نقوم يوم غد الثلاثاء بزراعة ساحات المدرسة وتزينها .. مستغلين بذلك عملية تدوير المنتوجات المختلفة لرسم الابتسامة على وجوه طلاب المدرسة جميعهم ولخلق بيئة مدرسية صحية تسكنها مخلوقات الله الأخرى كالأزهار والأعشاب .. كما وقررنا زيارة دار المسنين صباح يوم الأربعاء لاحتوائهم وبث السعادة في قلوبهم .. كما وضعنا خطة لعمل زيارة لمعالم مقدسية مميزة.. فكيف لشخص أن يحب وطنه دون أن يعرف أرضه وترابه وثمره وهوائه ؟

تخلل اليوم الأول بالمخيم أيضاً التعبير عن الذات بوسائل عديدة أبزرها مشاهدة اللوحات الفنية بالتوازي مع سماع الموسيقى ومحاولة التعبير عنها بالكلمات ووصف المشاعر وكذلك اللعب في باحات المدرسة ألعاب حركية مختلفة.

كان يوماً مثيراً بحق.. وكل هذا ما كان ليكن لولا أن فتحت لنا رئيس مجلس إدارة المدرسة الفاضلة أ.سهير شاور أبواب مدرستها كما فعلت عندما سهلت لنا كل السبل لزيارة دار الأيتام ... ولولا دعم المربية هنادي طوطح لنا من البداية وحتى النهاية ولولا جهود المعلمات الفضليات اللواتي لبين النداء مسترقين الوقت من عطلتهم لرسم ابتسامة على وجوه الأطفال وزرع بذرة وفكرة في أرواحهم وعقولهم ووجدانهم أخص بالذكر المعلمات دعاء الشريف وأسيل اسماعيل وآلاء مشعل وأم حمزة .. ولولا انفتاح الأهالي الأكارم الذين شجعوا ابناءهم على المضي قدماً نحو المعرفة بكل أشكالها.

اللهم اجعلنا نوراً يحتذى به بالقول والعمل.

كتبته : المعلمة : آلاء سامي.
27-1-2014