يؤكد
علماءُ التربية حديثاً أهمية اللَّعب للطفل، حيث يَعُدُّ اللعبَ مظهراً من مظاهر
النمو العقلي للطفل؛ بحيث يُعَبِّر تطورُ ألعابه عن درجة نضجه العقلي والوجداني،
ويرى آخرون أن اللعب نشاطٌ إيجابيٌ للطفل؛ "يجدد القوى، ويقوم مقام الاسترخاء
اللازم للعضلات".
وتقول
الدكتورة سهير كامل أحمد: "إن اللعب حتى مرحلة الطفولة المبكرة هو طريقة
الطفل الخاصَّة للانفتاح على العالم المحيط به، وإن الطفل يعبر في أثناء اللعب عن
إحساساته الكامنة حيالَ الأفراد المحيطين به؛ وتكشفُ لُعَبُ الأطفال عن حياتهم
الوجدانية التخيُّليَّةِ، وعن مدى تأثرهم بعملية التطبيع الاجتماعي التي يَخَضعون
لها".
وتقول
الدكتورة آمنة أرشد بنجر: "إن أسلوب اللعب هو استغلال واستنفاد لطاقة الجسم
الحركية، كما أنه مصدر المتعة النفسية للطفل؛ لأنه يمنح الطفل السرور والمرح
والحرية، ويعده «فروبل» النشاط الروحي النقي للإنسان، فهو يشتمل على كل منابع
الخير".
وترى
الدكتورة وفاء محمد كمال عبد الخالق أن النشاط اللعبي محدِّد لنموِّ شخصيةِ طفلِ
ما قبل المدرسة، وبغير هذا النشاط لا يمكنُ لهذه الشخصية أن تنتقل إلى المرحلة
اللاحقة لها؛ ومن ثَمَّ لا يمكن أن تزوَّد شخصيتُه بالخصائص اللازمة لشخصيةِ طفلِ
المدرسةِ الابتدائية إلا إذا قام النشاطُ اللعبي بدوره كنشاطٍ مُهَيْمِن على
المرحلة السابقة.
وهذه
الأهمية التربوية للعب لم تغب عن أذهان علماء التربية الإسلامية من السلف، بل قد
عرَف السلف –رحمهم الله– أهميةَ اللعب للطفل، وأرشدوا الآباء والمربين إلى ضرورة
السماح للأطفال بقسط من اللعب؛ فها هو ذا الغزالي يقول: "ينبغي أن يُؤْذَن
للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستروحُ فيه من تَعَبِ
المكتَبِ؛ بحيث لا يتعب في اللعب؛ فإنَّ مَنْعَ الصبي من اللعب، وإرهاقَه بالتعلم
دائماً، يُميت قَلبَهُ، ويُبطِل ذَكَاءَهُ، وينغص عليه العيشَ حتى يطلب الحيلة في
الخلاص من الكُتَّاب رأساً". وما أشار إليه الغزالي بالكُتَّاب هو ما يساوي
المدرسة في عصرنا.
وقد
سبقت السنة النبوية جميعَ هذه الآراء المنبهة على أهمية اللعب للطفل، إذ تضافرت
النصوصُ التي تدل دلالة واضحة على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعطاء
الأطفال حقَّهم من اللعب؛ فعن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه– أنه قال: دخلت على
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسنُ والحسينُ –رضي الله عنهما– يلعبان بين
يديه أو في حِجْره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ فقال: ((وكيف لا أحبهما وهما
رَيْحَانَتَىَّ من الدُّنْيَا أشمهما؟!)).
وعن
جابر –رضي الله عنه– قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة
وعلى ظهره الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وهو يقول: ((نعم الجَمَل جملُكما،
وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أنتما!)).
وعن عمر
بن الخطاب –رضي الله عنه– قال: رأيت الحسن والحسين -رضي الله عنهما- على عاتِقَيِ
النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: نِعمَ الفَرَسُ تحتكما! فقال -صلى الله عليه
وسلم-: ((ونعم الفارسان هما!)).
ففي
الأحاديث السابقة خير شاهد على تقديره -صلى الله عليه وسلم- لحق الطفل في اللعب،
إلى الحد الذي جعله يلاعب الأطفال بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكتفي بذلك، بل
كان يقرن ذلك بمدح الطفل والثناء عليه؛ ليزيد من نشاطه النفسي في اللعب؛ فيستمر
بلا كلل أو تعب، ويتابع لعبه بحب وشغف؛ وبذلك يكون اللعب غذاء جسميا ونفسيا في آن
واحد.
ولم
يقتصر الإذن باللعب في الإسلام على البنين، فقد أجيز للبنات اللعب، شريطة أن يكون
مناسباً للفتاة، وأن يكون مناسباً لعمرها، وألا يؤدي إلى إرهاقها كالرياضة الشاقة،
وأن يرتقي اللعب بأخلاقها وصحتها.
روى أبو
داود بإسناد صحيح عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: ((قَدِمَ رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- من غزوة تبوك أو حُنَيْن وفي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت ريحٌ فكشفت
ناحية السِّتْرِ عن بنات لعائشة –أي: لُعَب– فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي.
ورأى بينهن فرساً له جناحان من رِقَاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وَسْطَهُنَّ؟ قالت:
فَرَسٌ، قال: وما الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرسٌ له جناحان؟! قالت: أما سمعت
أن لسليمان خَيلاً لها أجنحة؟! قالت: فضَحِكَ حتى رأيت نَوَاجِذَهُ)).
ففي
إقراره -صلى الله عليه وسلم- لِلَعب عائشة ولُعبها التي كانت تلعب بها، ما يوضح تأكيدَ
الإسلام أهميةَ اللعب للطفل، وجواز شراء اللُّعَب له؛ فعلى الآباء والمربين أن
يراعوا ذلك، فيعطوا لصغارهم الفرصة للعب والترويح عن أنفسهم، ولكن مع توجيههم إلى
أنواع اللعب الملائمة لهم؛ بحيث يمكن من خلالها تحقيقُ الفوائد المرجوة من اللعب،
التي من أهمها:
• إزالة التوتُّر النفسي والجسمي
عند الطفل.
• إدخال المتعة والتنوع في حياة
الطفل.
• استكشاف الطفل لنفسه وللعالم
المحيط به، وفي ذلك تعلُّم الطفل لأشياء جديدة.
• تعلم الطفل حلَّ مشكلاته الخاصة.
• تعبير الطفل من خلال اللعب عن
حاجاته ورغباته التعبيرَ الكافي في حياته الواقعية.
• تمرين الطفل وتدريب عضلاته عن
طريق ألعاب الحركة.
• الرغبة في التعلم؛ لأن اللعب
نشاط مشوق لا إكراه فيه.
• استخدام الطفل جميعَ حواسه، وذلك
يزيد قدرته على التركيز؛ ومن ثَمَّ زيادة الفهم.
• عمل اللعب على تطبيع الطفل
اجتماعيّاً؛ لتقويم الخلق لديه والتضامن مع رفاقه، خاصة في اللعب الجماعي.
• القضاء على المَلل؛ إذ يوفِّر
اللعب فرصة القضاء على (الروتين) اليومي لأحداث الحياة
وعلى
الوالدَيْن أن يشتريا للطفل من اللُّعَب ما يناسب عمره وقدرته، ويضعاها بين يديه
وفي متناوله؛ وذلك ليبدأ تشغيل عقله وحواسه شيئاً فشيئاً.
وحتى
تكون اللُّعبةُ مفيدةً وجيدة للطفل؛ لا بد للوالدين أن يطرحا على أنفسهما
التساؤلات التالية حين شراء الألعاب لأطفالهم:
• هل هذه اللعبة من النوع الذي
يستثير نشاطاً جسديّاً صحيّاً مفيداً للطفل؟
• أهي من النوع الذي يرضي الحاجة
للاستكشاف، والتحكم في الأشياء؟
• أهي من النوع الذي يتيح التفكيك
والتركيب؟
• أهي من النوع الذي يشجع تقليد
سلوك الكبار وطرائق تفكيرهم؟
فإذا
كانت الإجابة بـ(نعم) كانت اللعبة مناسبة ومفيدة تربويّاً، وإلا فلا
المقال ل: أ. محمد جابر