لطالما حلُمت بتعلّم يلامس الحياة ويحتك بها، بعيداً عن الغرف الصفية والأدراج، ولطالما آمنت بأن المعلم لن يستطيع فهم طلبته والوصول إلى أعماقهم لو بقيت علاقته معهم من خلال الساعة إلا ربع اليومية..
وقد بتنا نحن الكبار ندرك بأن رأس مال الإنسان يكمن في سعة أفقه واطلاعه وثمار تجاربه، وأن الوصول للشغف الحقيقي والمجال الذي يريد أن يهبه حياته ووقته لن يكون سهل التحقيق إلا عندما يخرج ويرى الحياة الحقيقية، ويندمج مع مؤسسات المجتمع ويفهم الواقع. فكيف يمكن بناء المستقبل بدون فهم حقيقي للأرضية التي صنعها كل من الماضي والحاضر؟
كما أنني أؤمن بأن المحتوى المطروح في منهج الطلبة يجب أن يتشارك به أهل الاختصاص ولا يقتصر على خبرة وشرح المُعلّم.. وهذا ما تعتمد عليه الدول التي قطعت شوطاً بالتعليم الأكاديمي، فحتى الكتاب الواحد يشترك بتعليمه مجموعة من الأساتذة وذوي الخبرة بما يتناسب مع خبراتهم ومجالاتهم وذلك لتحقيق أكبر فائدة للطالب.
وتطبيقاً لكل هذه المبادئ كان يوم الأحد 23-11-2014 يوماً تطبيقياً لمواضيع مختلفة من منهج الصف السابع لمادتي التكنولوجيا والاجتماعيات.
وقد ابتدأت أولى فقراته بتعلّم برنامج صناعة الأفلام (Movie Maker)، والذي يساعد الطلبة على ترجمة أفكارهم على شكل مادة مرئية. بدأنا بعرض مجموعة من الأفلام القصيرة العربية والأجنبية والتركيزعلى المقاطع والموسيقى المستخدمة، ثم تعلم الطلبة كيفية كتابة سيناريو بسيط لأفلام من أفكارهم. وقد تفاجأت من قوة المواضيع والعناوين المقدمة من خلالهم، ومن الأمثلة على ذلك (قاوم، حُلم الفقير، الأسطورة، بيوت المُستقبل، سنموت يوماً ما، فكّر ولو مرة .. الخ) والتي تتناول قضايا اجتماعية ووطنية، من واقع الطلبة، والأهم أنها من اختيارهم، كما أنها تعبّر عن مواضيع من شغفهم الحقيقي. وبعد تعلّم المهارات الأساسية للبرنامج سيكون هناك متابعة لهذه الأفلام حتى خروجها إلى النور..
الفقرة الثانية، كانت زيارة لأحد المشاتل، وذلك للتعرف على النباتات والأعشاب والأشجار التي تنمو في فلسطين، تطبيقاً لدروس الزراعة في كتاب الجغرافيا. أما الذي شرح المادة فهو ليس مُعلّم بل شاب له خبرة لا تقل عن عشر سنوات في هذا الموضوع، وأرى أن هذا أفضل من شرح المادة من قبل ابنة المدينة التي لم تحتك مع الأرض ولم تعرفها وتخبرها كما هذا الشاب! كما أن لمس الطلاب للنباتات واشتمام رائحتها يحقق فوائد عظيمة تحرك الحواس المختلفة، وهذا ما ينشده التعليم الحديث ويسعى إليه.
وقد مشى الطلاب بعدها معاً لنصف ساعة تحت قطرات المطر الجميلة وتناولوا وجبة الطعام معاً، وفي الحقيقة أن هذه الأنشطة لا تقل فائدة عن الطرح الأكاديمي، فإذا افترضنا أن الكتب تربي العقول فأنشطة كهذه تربي الحس الإنساني، وتوثق الصلة بين أوصار صف التعلّم الواحد، وتنمي العلاقات بين الطلبة.
أما عن الفقرة الأخيرة فكانت في مستشفى دكتور عصام الجعبة، الذين لم يتوانا يوماً عن استقبالنا بأفضل طريقة في أنشطة المدرسة المختلفة. الزيارة كانت بهدف شرح موضوع التكنولوجيا الطبية الموجود في كتاب التكنولوجيا للصف السابع، وقد شارك في طرح المادة كل من أ. سامي عبد الكامل (مشرف العلوم والعلوم الحياتية في مدارس الإيمان) وأ.رهام سموم (باحثة طبية في مختبر الوراثة الجزيئية- مركز البحوث الطبية) وأ.سهير شاور (مشرفة العلوم والعلوم الحياتية في مكتب التربية والتعليم لمدارس القدس ورئيس مجلس إدارة مدرسة دار الحكمة) ود.رفعت حسين طبيب من المركز نفسه.
وبعد الصلاة جماعة في مسجد شومان انتهى اليوم، وقد رأيت بأن هذه الأيام كفيلة بتعلّم الكثير ولو بعد حين، كما أن التدرب عليها وتفعيلها بشكل مميز، سيعطي ثماراً أكثر وأفضل من هذه التجربة الأولى، وقد لاحظت بأن بعض الطلاب لم يستمتعوا بشكل كبير في المشتل أو في المشفى أو أثناء صناعة الأفلام، وتفاعلوا مع غيرها بشكل مميز، وهذه حقيقة لا تخيف بل على العكس، فهذه الميادين المختلفة تساعد الطالب على معرفة شغفه الحقيقي، ومجاله الذي يطمح بالانتماء له في المستقبل، وكما قال سيدنا علي – كرم الله وجهه- " قيمة المرء ما يحسنه"، وكما ورد في سيرة المهاتما غاندي(قصة تجاربي مع الحقيقة) : " أخيراً لأن ينهض المرء بمهمته الخاصة،على قدر طاقته ولو أخفق، خير له من أن ينهض بمهام لم يخلق لها ولو كانت صالحة، إن موت المرء وهو يؤدي واجبه ليس شراً، ولكن من يلتمس طرقاً أخرى لا بد أن يضل ويتيه"!
في الختام، شكراً لرئيس مجلس إدارة المدرسة أ.سهير شاور التي لا تتوانا عن قبول أي فكرة فيها الخير والفائدة لطلاب المدرسة، ولتعاون مديرة المدرسة أ.هنادي طوطح على تيسير أمور هذا اليوم، وللأهالي الكرام، ولطلابنا الأعزاء .. والحمد لله دائماً وأبداً ...
لمتابعة ألبوم الصوراضغط هنا